الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة
.2- أقسام التوحيد: .الأول: توحيد في المعرفة والإثبات: ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده هو الرب الخالق المالك المتصرف المدبر لهذا الكون، الكامل في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيء، بيده الملك وهو على كل شيء قدير. له وحده الأسماء الحسنى، والصفات العلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/ 11]. .الثاني: توحيد في القصد والطلب: ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده ذو الألوهية على خلقه أجمعين، وأنه سبحانه المستحق للعبادة وحده دون سواه، فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء والصلاة والاستعانة والتوكل والخوف والرجاء والذبح والنذر ونحوها إلا للهِ وحده دون سواه، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون/117]. .حكم الإقرار بالتوحيد: 1- قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء/25]. 2- وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. 2- توحيد الربوبية يقر به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون، والإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله والنجاة من العذاب، فقد أقر به إبليس، وأقر به المشركون فلم ينفعهم لأنهم لم يقروا بتوحيد العبادة للهِ وحده. فمن أقر بتوحيد الربوبية فقط لم يكن موحداً ولا مسلماً، ولم يَحْرم دمه ولا ماله حتى يقر بتوحيد الألوهية، فيشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويقر بأن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. .توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان: 2- الربوبية والألوهية تارة يذكران معاً فيفترقان في المعنى فيكون معنى الرب المالك المتصرف ويكون معنى الإله المعبود بحق المستحق للعبادة وحده دون سواه كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس/1- 3]. وتارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر فيجتمعان في المعنى كقوله سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام/164]. .حقيقة التوحيد ولبابه: .ثمرات حقيقة التوحيد: .فضل التوحيد: 2- وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام/82]. 3- وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد/ 28]. 4- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيْسَى عَبْدُاللهِ وَرَسُولُه وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه. 5- وعن جابر رضي الله عنه قال: أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّار». أخرجه مسلم. .عظمة كلمة التوحيد: .كمال التوحيد: .صفة الطاغوت: والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة: إبليس أعاذنا الله منه، ومن عُبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حَكَم بغير ما أنزل الله. قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة/257]. .3 – العبادة: .معنى العبادة: 1- الأول: التعبد: وهو التذلل للهِ عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه محبة له وتعظيماً. 2- الثاني: المتعبد به: ويشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالدعاء، والذكر، والصلاة، والمحبة ونحوها، فالصلاة مثلاً عبادة، وفعلها تعبد للهِ، فنعبد الله وحده بالتذلل له، محبة له وتعظيماً له، ولا نعبده إلا بما شرع. .حكمة خلق الجن والإنس: إنما خلقهم ربهم لأمر عظيم ليعبدوا الله عز وجل، ويوحدوه، ويعظموه، ويكبروه ويطيعوه: بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، وترك عبادة ما سواه، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات/56]. فإذا فعلوا ذلك سعدوا في الدنيا، وفازوا بالجنة والقرب من ربهم كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر/54- 55]. .حكمة العبادة: 1- قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}... [الأحزاب/41- 42]. 2- وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف/96]. .طريق العبودية: حب كامل للهِ عز وجل وذل تام له. وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين وهما: مشاهدة منة الله وفضله وإحسانه ورحمته التي توجب المحبة، ومطالعة عيب النفس والعمل الذي يورث الذل التام للهِ عز وجل. وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه، فلا يرى نفسه إلا مفلساً ولا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة يمن بها، بل يشهد ضرورته كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه خسر وهلك. 1- قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل/53]. 2- وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر/15]. .أكمل الناس عبادة: ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم للهِ ولرسوله واستقاموا على أمره، ثم الشهداء، ثم الصالحون، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء/69]. .حق الله على العباد: لذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي- صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له عفير قال: فقال: «يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال: قلت: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، قال: «فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال: قلتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا أبشرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوْا». متفق عليه. .كمال العبودية: 2- الله عز وجل يبتلي عباده ليمتحن صبرهم وعبوديتهم لا ليهلكهم ويعذبهم، فلله على عبده عبودية في الضراء كما له عبودية في السراء، وله عبودية فيما يكره كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الناس يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن إعطاء العبودية في المكاره، وهم متفاوتون في ذلك، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية، ونكاح زوجته الحسناء عبودية، والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية، وترك المعاصي التي ترغبها النفس من غير خوف الناس عبودية، والصبر على الجوع والأذى عبودية، ولكن فرق بين العبوديتين. فمن كان قائماً للهِ بالعبوديتين في حال السراء والضراء، وحال المكروه والمحبوب، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وليس لعدوه سلطان عليه فالله يحفظه، ولكن قد يغتاله الشيطان أحياناً، فإن العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب، ودخول الشيطان على العبد من هذه الأبواب الثلاثة. وقد سلط الله على كل عبد نفسه وهواه وشيطانه وابتلاه هل يطيعها أم يطيع ربه. والله عز وجل له على الإنسان أوامر، والنفس لها أوامر، والله يريد من الإنسان تكميل الإيمان والأعمال الصالحة، والنفس تريد تكميل الأموال والشهوات، والله عز وجل يريد منا العمل للآخرة، والنفس تريد العمل للدنيا، والإيمان هو سبيل النجاة والمصباح الذي يبصر به الحق من غيره وهذا محل الابتلاء. 1- قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت 2- 3]. 2- وقال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يوسف/53]. .فقه العبودية: ومن غرس شجرة الكفر والجهل والمعاصي جنى شقاوة الأبد. وأعظم المعارف أن تعرف ربك، وما يجب له. فتقر له بالجهل في العلم.. والتقصير في العمل.. والعيب في النفس.. والتفريط في حق الله.. والظلم في معاملته. فهذا العارف حقاً: إن عمل حسنة رآها منة من الله عليه، فإنْ قَبِلها فمنَّة ثانية، فإن ضاعفها فمنَّة ثالثة، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به. وإن عمل سيئة رآها من تخلِّي ربه عنه، وإمساك عصمته عنه. إنْ أَخَذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن غفرها له فبمحض إحسانه وكرمه. وجميع ما في السماوات والأرض عبيد لله. وكل إنسان يجب أن يقر أنه عبداً لله كوناً وشرعاً: فأنت عبده كوناً؛ لأنه الخالق لك، والمالك لك، المدبر لأمرك، وأنت عبده إن شاء أعطاك، وإن شاء منعك، وإن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن شاء هداك، وإن شاء أضلك. يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته ورحمته. وأنت عبده شرعاً ً، يجب أن تعبده بما شرع، تفعل الأوامر، وتجتنب النواهي، وتؤمن بالله؛ لتسعد في الدنيا والآخرة. وجميع الخلق فقراء إلى الله، وفقرهم قسمان: 1- فقر اضطراري، وهو فقر جميع المخلوقات إلى ربها في وجودها وحركتها وما يلزمها. 2- وفقر اختياري، وهو ثمرة معرفتين: معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد نفسه. فمن عرف ربه بالغنى المطلق، عرف نفسه بالفقر المطلق، ولزم باب العبودية إلى أن يلقى ربه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر/15].
|